فصل: الفصل الأول فيما يكتب في المسامحات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا (نسخة منقحة)



.الباب الثاني فيما يكتب في المسامحات والإطلاقات:

وفيه فصلان:

.الفصل الأول فيما يكتب في المسامحات:

والمسامحات جمع مسامحة، وهي الجود والموافقة على ما أريد منه. والمراد المسامحة بما جرت به العادة الدواوين السلطانية: من المقررات واللوازم السلطانية، وهي على ضربين: الضرب الأول ما يكتب من الأبواب السلطانية وقد جرت العادة أن السلطان إذا سمح بترك شيء من ذلك كتب به مرسوم شريف وشملته العلامة الشريفة؛ وهو على مرتبتين:
المرتبة الأولى: المسامحات العظام:
وقد جرت العادة أن تكتب في قطع الثلث مفتتحة بـ الحمد لله.
وصورتها أن يكتب في أعلى الدرج بوسطه الاسم الشريف كما في مراسيم الولايات، ثم يكتب من أول عرض الورق إلى آخره مرسوم شريف أن يسامح بالجهة الفلانية وإبطال المكوس بها، أو أن يسامح بالجهة الفلانية، أو أن يسامح أهل الناحية الفلانية بكذا وكذا، ابتغاء لوجه الله تعالى، ورجاءً لنواله الجسيم على ما شرح فيه ثم يترك وصلان بياضاً غير وصل الطرة، ويكتب في أول الوصل الثالث البسملة، ثم الخطبة بالحمد لله إلى آخرها، ثم يقال: وبعد، ويؤتى بمقدمة المسامحة: من شكر النعمة، والتوفية بحقها ومقابلتها بالإحسان إلى الخلق، وعمل مصالح الرعية وعمارة البلاد، وما ينخرط في هذا السلك، ثم يقال: ولذلك لما كان كذا وكذا اقتضت آراؤنا الشريفة أن يسامح بكذا، ثم يقال: فرسم بالأمر الشريف أن يكون الأمر على كذا وكذا، ثم يقال: فلتستقر هذه المسامحة ويؤتى فيها بما يناسب، ثم يقال: وسبيل كل واقف على هذا المرسوم الشريف العمل بمضمونه أو بمقتضاه، ويختم بالدعاء بما يناسب.
وهذه نسخة مرسوم بمسامحة ببوافي دمشق وأعمالها، من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي رحمه الله تعالى؛ وهي:
الحمد لله الرؤوف بخلقه، المتجاوز بعباده عما قصروا فيه من حقه، المسامح لبريته بما أهملوه من شكر ما بسط لهم من رزقه، جاعل دولتنا القاهرة مطلع كرم؛ تجتلى أنوار البر في البرايا من أفقه، ومنشأ ديم، تجتلب أنواء الرفق بالرعايا من برقه، ومضمار جود يحتوي على المعروف من جميع جهاته ويشتمل على الإحسان من سائر طرقه؛ فلا بر تنتهي إليه الآمال إلا ولكرمنا إليه مزية سبقه، ولا أجر يتوجه إليه وجه الأماني إلا تلقته نعمنا بمتهلل وجه الإحسان طلقه، ولا معروف تجدب منه أرجاء الرجاء إلا واستهلت عليه آلاؤنا من صوب برنا المألوف لآلي ودقه.
نحمده على نعمه التي عمت الرعايا بتوالي الإحسان إليهم، وأنامتهم في مهاد الأمن بما وضعت عنهم مسامحتنا من إصرهم والأغلال التي كانت عليهم، وأنالتهم ما لم تطمح آمالهم إليه: من رفع الطلب عن بوافي أموال أخروها وراء ظهورهم وكانت كالأعمال المقدمة بين يديهم.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تبعث على نشر رحمته، التي وسعت كل شيء في عباده، وتحث على بث نعمته، التي غمرت كل حي على اجتماعه وسعت إلى كل حي على انفراده، وتحض على ما ألهمنا من رأفة بمن قابله بتوحيده وشدة على من جاهره بعناده.
ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أسكت ألسنة الشرك وأخرسها، وعفا معالم العدوان وطمسها، وأثل قواعد الدين على أركان الهدى وأسسها، وأوضح سبل الخيرات لسالكها فإذا سعدت بالملوك رعاياها فإنما أسعدت الملوك بذلك في نفس الأمر أنفسها، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين شفعوا العدل بالإحسان، وجمعوا بين ملك الدنيا والآخرة بإحياء السنن الحسان، وزرعوا الجهاد بالإيمان في كل قلب فأثمر بالتوحيد من كل لسان، صلاة جامعة أشتات المراد، سامعة نداء أربابها يوم يقوم الأشهاد، قامعة أرباب الشك فيها والإلحاد، وسلم تسليماً كثيراً.
وبعد، فإننا بما آتانا الله من ملك الإسلام، وخصنا به من الحكم العام، في أمة سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، وأيدنا به من النصر على أعداء دينه، وأمدنا به من تأبيد تأييده ودوام تمكينه، وجعل دولتنا مركزاً مدار ملك الأمة الإسلامية عليه، وفلكاً مآل أمور الأمة المحمدية في سائر الممالك على اختلافها إليه، ورزقنا من النصر على أعدائه ما أعز المسلمين وأدالهم، وأذل المشركين وأذالهم، وكف بالرعب أطماعهم، وأعمى بما شاهدوه أبصارهم وأصم بما سمعوه أسماعهم، وحصرهم بالمهابة في بلادهم، وأيأسهم بالمخافة من نفوسهم قبل طارفهم وتلادهم- لم نزل نرغب في حسنات تحلى بها أيامنا، وقربات تجري بها أقلامنا، ومكرمات تكمل بها عوارفنا وأنعامنا، ومآثر يخلد بها في الباقيات الصالحات ذكرنا، ومواهب تجمل بها بين سير العصور الذاهبة سيرتنا الشريفة وعصرنا، ومصالح يصرف بها إلى مصارف البلاد والعباد نظرنا الجميل وفكرنا، نهوضاً بطاعة الله فيما ألقى مقاليده إلينا، وأداء لشكره فيما أتم به نعمه العميمة علينا، واكتساباً لثوابه فيما نقدمه من ذخائر الطاعات بين يدينا، ونظراً في عمارة البلاد بخفة ظهور ساكنيها، وإطابة لقلوب العباد من تبعات البوافي التي كانت تمنعهم من عمارة راضيهم وتنفرهم من الوطن فيها، ورغبة فيما عند الله والله عنده حسن الثواب، وتحرياً لإصابة وجه المصلحة الإسلامية في ذلك والله الموفق للصواب.
ولذلك لما اتصل بنا أن بافي البلاد الشامية من البوافي التي يتعب ألسنة الأقلام، إحصاؤها، ويثقل كواهل الأفهام، تعداد وجوهها واستقصاؤها، مما لا يسمح بمثله في سالف الدهور، ولا يسخو به إلا من يرغب مثلنا فيما عند الله من أجور لا تخرجه عن مصالح الجمهور- اقتضت آراؤنا الشريفة أن نعفي منها ذمماً كانت في أغلال إسارها، وأثقال إنكسارها، وروعة اقتضائها، ولوعة التردد بين إنظار المطالبة وإمضائها، وأن نعتق منها نفوساً كانت في سياق مساقها، وحبال إزهاقها وإرهاقها، لتتوفر الهمم على عمارة البلاد، بالأمن على الطارف والتلاد، وتجمع الخواطر على حسن الخلف، بما حصل لهم من المسامحة عما عليهم من ذلك سلف، بذمم برية من تلك الأثقال، عرية عن عثرات تلك البوافي التي ما كان يقال إنها تقال.
فرسم بالأمر الشريف- زاده الله تعالى علواً وتشريفاً، وأمضاه بما يعم الآمال رفقاً بالرعايا وتخفيفاً، وأجراه من العدل والإحسان بما يعم البلاد، ويجبر العباد، فإن الأرض يحييها العدل ويعمرها الاقتصار على الاقتصاد- أن يسامح.
فليستقر حكم هذه المسامحة استقراراً يبفي رسمها، ويمحو من تلك البوافي المساقة رسمها وأسمها، ويضع عن كواهل الرعايا أعباءها، ويسير بين البرايا أخبارها الحسنة وأنباءها، ويسقط من جرائد الحساب تفاصيلها وجملها، ويحقق بتعفيته آثارها رجاء رعية بلادنا المحروسة وأملها.
فقد ابتغينا بالمسامحة بهذه الجمل الوافرة ثواب الله وما عند الله خير وأبقى، وأعتقنا بها ذمم من كانت عليه من ملكة المال الذي كان له باستيلاء الطلب واستمراره مسترقاً، تقرباً إلى الله تعالى لما فيه من إيثار التخفيف، ووضع إصر التكليف وتقوية حالة العاجز فإن غالب الأموال إنما تساق على الضعيف، وتوفير هم الرعايا على عمارة البلاد وذلك من آكد المصالح وأهمها، وتفريغ خواطرهم لأداء ما عليهم من الحقوق المستقبلة وذلك من أخص المنافع وأعمها؛ فليقابلوا هذه النعم بشكر الله على ما خص دولتنا به من هذه المحاسن، ويوالوا حمده على ما متعهم به من مواد عدلها التي ماء إحسانها غير آسن، ويبتهلوا لأيامنا الزاهرة بالأدعية التي يخلد سلطانها، وتشيد أركانها، وتعلي منار الدين باعتلائها، وتؤديها بالملائكة المقربين على أعداء الله وأعدائها، وسبيل كل واقف على مرسومنا هذا: من ولاة الأمر أجمعين العمل بمضمونه، والانتهاء إلى مكنونه، والمبادرة إلى ثبات هذه الحسنة، والمسارعة إلى العمل بهذه المسامحة التي تستدعي مسار القلوب وثناء الألسنة، وتعفية آثار تلك البوافي التي عفونا عن ذكرها، ومحو ذكر تلك الأموال التي تعوضنا عن استيفائها بأجرها.
وهذه نسخة مرسوم شريف بالمسامحة بالبوافي في ذمم الجند والرعايا بالشام، كتب به في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون في شهور سنة اثنتين وسبعمائة بخط العلامة كمال الدين محمد الزملكاني من إنشائه، وقريء على المنبر بالجامع الأموي بدمشق المحروسة؛ وهي: الحمد لله الذي وسع كل شيء رحمة وعلماً، وسمع نداء كل حي رأفة وحلماً، وخص أيامنا الزاهرة بالإحسان فأنجح فيها من عدل وخاب من حمل ظلماً، وزان دولتنا بالعفو والتجاوز فهي تعتد المسامحة بالأموال الجسيمة غنماً إذا اعتدتها الدول غرماً.
ونحمده على نعمه التي غمرت رعايانا بإدامة الإحسان إليهم، وعمرت ممالكنا بما نتعاهد به أهلها من نشر جناح الرأفة عليهم، وخففت عن أهل بلادنا أثقال بوافي الأموال التي كانوا مطلوبين بها من خلفهم ومن بين أيديهم، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة لم تزل تشفع لأهلها العدل بالإحسان، وتجمع لأربابها بالرأفة أشتات النعم الحسان، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي جلا الغمة، وهدى الأمة، وسن الرأفة على خلق الله والرحمة، وحث على الإحسان إلى ذوي العسرة لما في ذلك من براءة كل مشغول الذمة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين أمروا بالتيسير، واقتنعوا من الدنيا باليسير، وأوضحوا طرق الإحسان لساليكيها فسهل على المقتدي بهم في الحنو على الأمة الصعب ويسر العسير، صلاة تدخر ليوم الحساب، وتعد للوقت الذي إذا نفخ في الصور فلا أنساب، وسلم تسليماً كثيرا.
وبعد، فإن الله تعالى لما خص أيامنا الزاهرة بالفتوح التي أنامت الرعايا، في مهاد أمنها، وأنالت البرايا، مواقع يمنها ومنها، وكفت أكف الحوادث عن البلاد وأهلها، ونشرت عليهم أجنحة البشائر في حزن الأرض وسهلها، وأعذبت من الطمأنينة مواردهم، وعمت بالدعة والسكون قاطنهم وراحلهم، وبدلتهم من بعد خوفهم أمناً، ونولتهم بأجابة داعي الذب عنهم منا منا، رأينا أن نفسح لهم مجال الدعة والسكون، وأن لا نقنع لهم بما كان من أسباب المسار حتى نتبعها بما يكون، وأن نصفي بالإعفاء من شوائب الأكدار شربهم، ونؤمن بالإعفاء عن طلب البوافي التي هي على ظهورهم كالأوزار سربهم، وأن نشفع العدل كما أمر الله تعالى بالإحسان إليهم، ونضع عنهم بوضع هذه الأثقال إصرهم والأغلال التي كانت عليهم، وأن نوفر على عمارة البلاد هممهم، ونبريء من تبعات هذه الأموال اللازمة لهم ذممهم، ونريح من ذلك أسرارهم، ونطلق من ربقه الطلب المستمر إسارهم، ونسامحهم بالأموال التي أهملوها وهي كالأعمال محسوبة عليهم، ونعفيهم من الطلب بالبوافي التي نسوها كالآجال وهي مقدمة بين يديهم، لتكون بشراهم بالنصر كاملة، ومسرتهم بالأمن من كل سبيل شاملة.
فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زال بره عميماً، وفضله لحسن النظر في مصالح رعاياه مديماً- أن تسامح مدينة دمشق المحروسة وسائر الأعمال الشامية بما عليها من البوافي المساقة في الدواوين المعمورة إلى المدد المعينة في التذكرة الكريمة المتوجة بالخط الشريف؛ وجملة ذلك من الدراهم ألف ألف وسبعمائة ألف وستة وأربعون ألفاً ومائتا ألف وخمسة وأربعون درهماً، ومن الغلال المنوعة تسعة آلاف وأربع مائة واثنتان وأربعون غرارة، ومن الحبوب مائتان وثمان وعشرون غرارة، ومن الغنم خمسمائة رأس، ومن الفولاذ ستمائة وثمانية أرطال، ومن الزيت ألفان وثلثمائة رطل، ومن حب الرمان ألف وستمائة رطل.
فليتق هذه النعمة بباع الشكر المديد، ويستقبلوا هذه المنة بحمد الله تعالى فإن الحمد يستدعي المزيد، ويرفلوا في أيامنا الزاهرة، في حلل الأمن الضافية، ويردوا من نعمنا الباهرة، مناهل السعد الصافية، ويقبلوا على مصالحهم بقلوب أزال الأمن قلقها، وأذهبت هذه المسامحة المبرورة فرقها، ونفوس أمنت المؤاخذة من تلك التبعات بحسابها، ووثقت بالنجاة في تلك الأموال من شدة طالب يأبى أن يفارق إلا بها، وليتوفروا على رفع الأدعية الصالحة لأيامنا الزاهرة، ويتيمنوا بما شملهم من الأمن والمن في دولتنا القاهرة؛ فقد تصدقنا بهذه البوافي التي أبقت لنا أجرها وهي أكمل ما يقتنى، وخففت أثقال رعايانا وذلك أجمل ما به يعتنى. وسبيل كل واقف على هذا المرسوم الشريف اعتماد حكمه، والوقوف عند حده ورسمه؛ ويعفي آثار هذا البوافي المذكور بمحو رسمه واسمه، بحث لا يترك لهذه البوافي المذكورة في أموالنا انتساب، ولا يبقى لها إلى يوم العرض عرض نورده ولا حساب؛ والخط الشريف شرفه الله تعالى أعلاه حجة بمقتضاه.
وهذه نسخة مسامحة بمكوس على جهات مستقبحة بالمملكة الطرابلسية، وإبطال المنكرات، كتب بها في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون أيضاً في شهور سنة سبع عشرة وسبعمائة؛ وهي: الحمد لله الذي جعل الدين المحمدي في أيامنا الشريفة على أثبت عماد، واصطفانا لإشادة أركانه وتنفيذ أحكامه بين العباد، وسهل علينا من إظهار شعائره ما رام من كان قبلنا تسهيله فكان عليه صعب الانقياد، وادخر لنا من أجور نصره أجل ما يدخر ليوم يفتقر فيه لصالح الاستعباد.
نحمده على نعم بلغت من إقامة منار الحق المراد، وأخمدت نار الباطل بمظافرتنا ولولا ذلك لكانت شديدة الاتقاد، ونكست رؤوس الفحشاء فعادت على استحياء إلى مستسنها أقبح معاد، ونشكره على أن سطر في صحائفنا من غرر السير ما تبقى بهجته ليوم المعاد، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يجدها العبد يوم الأشهاد، وتسري أنوار هديها في البرايا فلا تزال آخذة في الازدياد، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي بعثه الله تعالى بالإنذار إلى يوم التناد، والأعذار إلى من قامت عليه الحجة بشهادة الملكين فأوضح له سبيل الرشاد، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين منهم من رد أهل الردة إلى الدين القويم أحسن ترداد، ومنهم من عمم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سائر العباد والبلاد، ومنهم من بذل ماله للمجاهدين ونفسه للجهاد، ومنهم من دافع عن الحق فلا برح في جدال عنه وفي جلاد، صلاة تهدي إلى السداد، وتقوم المعوج وتثقف المياد، وسلم تسليماً كثيرا.
وبعد، فإن الله تعالى منذ ملكنا أمور خلقه، وبسط قدرتنا في التصرف في عباده والمطالبة بحقه، وفوض إلينا القيام بنصرة دينه، وفهمنا أنه تعالى قبض قبل خلق الخلائق قبضتين فرغبنا أن نكون من قبضة يمينه، وألقى إلينا من مقاليد الممالك، وأقام الحجة علينا بتمكين البسطة وعدم المشاقق في ذلك، ومهد لنا من الأمر ما على غيرنا توعر، وأعد لنا من النصر ما أجرانا فيه إلى عوائد لطفه لا عن مرح في الأرض ولا عن خد مصعر- ألهمنا إعلاء كلمة الإسلام، وإعزاز الحلال وإذلال الحرام، وأن تكون كلمة الله هي العليا، وأن لا بختار على دار الآخرة دار الدنيا؛ فلم نزل نقيم للدين شعاراً، ونعفي للشرك آثاراً، ونعلن في النصيحة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم جهراً وإسراراً، ونتبع أثر كرم نقتفيه، وممطول بحقه نوفيه، ونعلم حق قربة نشيده، ومخذولاً استظهر عليه الباطل نؤيده، وذا كربة نفرجها، وغريبة فحشاء استطردت من أدور الحق نخرجها، وسنة سيئة تستعظم النفوس زوالها فتجعلها هباء منثوراً، وجملة عظيمة أسست على غير التقوى مبانيها فيحطمها كرمنا فنؤدي الجزاء عنها موفوراً؛ فاستقصينا ذلك في ممالكنا الشريفة مملكة مملكة، واستطردنا في إبطال كل فاحشة موبقة مهلكة، فعفينا من ذلك بالديار المصرية ما شاع خبره، وظهر بين الأنام أثره، وطبقت بمحاسنه الآفاق، ولهجت به ألسنة الدعاة والرفاق: من مكوس أبطلناها، وجهات سوء عطلناها، ومظالم رددناها إلى أهلها، وزجرناها عن غيها وجهلها، وبواق سامحنا بها وسمحنا، وطلبات خففنا عن العباد بتركها وأرحنا، ومعروف أقمنا دعائمه، وبيوت لله عز وجل أثرنا منها كل نائمة؛ ثم بثثنا ذلك في سائر الممالك الشامية المحروسة، وجنينا ثمرات النصر من شجرات العدل التي هي بيد يقظتنا مغروسة.
ولما اتصل بعلومنا الشريفة أن بالمملكة الطرابلسية آثار سوء ليست في غيرها، ومواطن فسق لا يقدر غيرنا على دفع ضررها وضيرها، ومظان آثام يجد الشيطان فيها مجالاً فسيحاً، وقرى لا يوجد بها من كان إسلامه مقبولاً ولا من كان دينه صحيحاً، وخموراً يتظاهر بها ويتصل سبب الكبائر بسببها، وتشاع بين الخلائق مجهراً، وتباع على رؤوس الأشهاد فلا يوجد لهذا المنكر منكراً، ويحتج في ذلك بمقررات سحت لا تجدي نفعاً، وتبقى في يد آخذها كأنها حية تسعى.
ومما أنهي إلينا أن بها حانة عبر عنها بالأفراح قد تطاير شررها، وتفاقم ضررها، وجوهر فيها بالمعاصي، وآذنت لولا حلم الله وإمهاله بزلزلة الصياصي، وغدت لأهل الأهوية مجمعاً، ولذوي الفساد مربعاً ومرتعاً، يتظاهر فيها بما أمر بستره من القاذورات، ويؤتى بما يجب تجنبه من المحذورات، ويسترسل في الأفراح بها بما يؤدي إلى غضب الجبار، وتهافت النفوس فيها كالفراش على الاقتحام في النار.
ومنها- أن المسجون إذا سجن بها أخذ بجميع ما عليه بين السجن وبين الطلب، وإذا أفرج عنه ولو في يومه انقلب إلى أهله في الخسارة بشر منقلب، فهو لا يجد سروراً بفرجه، ولا يحمد عقبى مخرجه.
ومنها: أن بالأطراف القاصية من هذه المملكة قرى سكانها يعرفون بالنصيرية لم يلج الإسلام لهم قلباً، ولا خالط لهم لباً، ولا أظهروا له بينهم شعاراً، ولا أقاموا له مناراً، بل يخالفون أحكامه، ويجهلون حلاله وحرامه، ويخلطون ذبائحهم بذبائح المسلمين، ومقابرهم بمقابر أهل الدين، وكل ذلك مما يجب ردعهم عنه شرعاً، ورجوعهم فيه إلى سواء السبيل أصلاً وفرعاً، فعند ذلك رغبنا أن نفعل في هذه الأمور ما يبقى ذكره مفخرة على ممر الأيام، وتدوم بهجته بدوام دولة الإسلام، ونمحو منه في أيامنا الشريفة ما كان على غيرها به عاراً، ونسترجع للحق من الباطل ثوباً طالما كان لديه معاراً، ونثبت في سيرة دولتنا الشريفة عوارف لا تزال مع الزمن تذكر، وتتلو على الأسماع قوله تعالى: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر}.
فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زال بالمعروف آمراً، وعن المنكر ناهياً وزاجراً، ولامتثال أوامر الله تعالى مسارعاً ومبادراً- أن يبطل من المعاملات بالمملكة الطرابلسية ما يأتي ذكره.
فليبطل هذا على ممر الأزمنة والدهور، إبطالاً باقياً إلى يوم النشور، لا يطلب ولا يستادى، ولا يبلغ الشيطان في بقائه مراداً.
ويقرأ مرسومنا هذا على المنابر ويشاع، وتستجلب لنا منهم الأدعية الصالحة فإنها نعم المتاع.
وأما النصيرية فليعمروا في بلادهم بكل قرية مسجداً، ويطلق له من أرض القرية رقعة أرض تقوم به وبمن يكون فيه من القوام بمصالحه على حسب الكفاية، بحيث يستفز الجناب الفلاني نائب السلطنة بالمملكة الطرابلسية والحصون المحروسة- ضاعف الله تعالى نعمته- من جهته من يثق إليه لإفراد الأراضي وتحديدها وتسليمها لأئمة المساجد المذكورة، وفصلها عن أراضي المقطعين وأهل البلاد المذكورة، ويعمل بذلك أوراقاً وتخلد بالديوان المعمور حتى لا يبقى لأحد من المقطعين فيها كلام، وينادي في المقطعين وأهل البلاد المذكورة بصورة ما رسمنا به من ذلك.
وكذلك رسمنا أيضاً بمنع النصيرية المذكورين من الخطاب، وأن لا يمكنوا بعد ورود هذا الخطاب جملة كافية، وتؤخذ الشادة على أكابرهم ومشايخ قراهم لئلا يعود أحد منهم إلى التظاهر بالخطاب ومن تظاهر به قوبل أشد مقابلة.
فلتعتمد مراسمنا الشريفة ولا يعدل عن شيء منها، ولتجر المملكة الطرابلسية مجرى بقية الممالك المحروسة في عدم التظاهر بالمنكرات، وتعفية آثار الفواحش وإقامة شعائر الدين القويم: {فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم}؛ والاعتماد على الخط الشريف أعلاه.
وهذه نسخة توقيع بالمسامحة في جميع المراكز في جميع المراكز بما يستأدىعلى الأغنام الدغالي الداخلة إلى حلب، وأن يكون ما يستخرج من تجار الغنم على الكبار منها خاصة، من إنشاء المقر الشهابي بن فضل الله، مما كتب به في شهور سنة سبع وثلاثين وسبعمائة؛ وهي: الحمد لله ذي المواهب العميمة، والعطايا التي لا تجود بها يد كريمة، والمنن التي عوضنا منها عن كل شيء بخير منه قيمة، والمسامحة التي ادخر لنا بها عن كل مال حسن مآل وبكل غنم غنيمة.
نحمده على نعمه التي غدت على كثرة الإنفاق مقيمة، ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله أكرم من سمح وسامح في أمور عظيمة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة مستديمة، وسلم تسليماً كثيراً.
وبعد، فمنذ ملكنا الله لم نزل نرغب إليه، ونعامله بما نهبه له ونربح عليه، ولم نبق مملكة من ممالكنا الشريفة حتى سامحنا فيها بأموال، وسامينا فيها بنفع أرضها السحب الثقال، وكانت جهة العداد بالمملكة الحلبية المحروسة مثقلة الأوزار بما عليها، مشدودة النطاق بما يغل من الطلب يديها، مما هو على التركمان بها محسوب، وإلى عديدهم منسوب، ونحن نظنه في جملة ما أسقطته مسامحتنا الشريفة وهو منهم مطلوب، وهو المعروف بالدغالي زائداً على الرؤوس الكبار، ومعدوداً عند الله من الكبائر وهو في حساب الدواوين من الصغار؛ فلما اتصل بنا أن هذه المظلمة ما انجلى عنهم ظلمها، ولا رفع من الحساب عنهم قلمها- أكبرنا موقع بقائها، وعلمنا أنها مدة مكتوبة لم يكن بد من المصير إلى انقضائها، واستجلبنا قلوب طوائف التركمان بها، وأوثقنا أسبابها في البلاد بسببها، لأمرين كلاهما عظيم: لرغبتنا فيما عند الله ولما لهم من حق ولاء قديم؛ كم صاروا مع الجيوش المنصورة جيوشاً، وكم ساروا إلى بلاد ملوك الأعداء فثلوا لهم عروشاً، وكم كانوا على أعقاب العساكر المؤيدة الإسلامية ردفاً ومقدمتهم في محاصرة جيوشاً، وكم قتلوا بسهامهم كافراً وقدموا لهم رماحهم نعوشاً؛ ومنهم أمراء وجنود، ونزول ووفود، وهم وإن لم يكونوا أهل خباء فهم أهل عمود، وذوو أنساب عريقة، وأحساب حقيقية، إلى القبجاق الخلص مرجعهم، والفرس بفرسان دولتنا الشريفة تجمعهم- فاقتضى رأينا الشريف أن نرعى لهم هذه الحقوق بإبطال تلك الزيادة المرادة، وأن نتناسى منها ما هو في العدد كالنسيء في الكفر زيادة.
فرسم بالأمر الشريف- لا زالت مواهبه تشمل الآفاق، وتزيد على الإنفاق، وتقدم ما ينفد إلى ما هو عند الله باق- أن يسامح جميع التراكمين الداخل عدادهم في ضمان عداد التركمان بالمملكة الحلبية المحروسة بما يستأدى منهم على الأغنام الدغالي، وأن يكون ما يستخرج منهم من العدد على الكبار خاصة: وهو عن كل مائة رأس كبار ثلاثة أرؤس كبار خاصة لا غير من من غبر زيادة على ذلك، مسامحة مستمرة، دائمة مستقرة، باقية بقاء الليالي والأيام، لا تبدل لها أحكام، ولا تتغير بتغير حاكم من الحكام؛ نرجو أن نسر بها في صحائف أعمالنا يوم العرض، لا يتأول فيها حساب، ولا تمتد إليها يد حساب، ولا يبقى عليها سبيل للدواوين والكتاب، ولا تسيب أغنامهم ليرعاها منهم أولئك الذئاب؛ كلما مر على هذه المسامحة زمان أكد أسبابها، وبيض في صحائف الدفاتر حسابها، لا تعارض ولا تناقض ولا يتأول فيها متأول في هذا الزمان ولا فيما بعده من الزمان، ولا يدخل حكمها في النسيان، ولا ينقص أجرها المضمون، ولا تطلب أصحاب هذه الدغالي عليها بعداد في قرن من قرن من القرون، ولا تستحقر بما يستأذى منها جليلة ولا حقيرة، ولا يسمح لنفسه من قال إنها صغيرة وهي عند الله كبيرة: لتطيب لأهلها ومن تسامع بما شملهم من إحساننا الشريف النفوس، ولا تصدع لهم بسبب هذا الطلب رؤوس؛ فمن تعرض في زماننا أمدنا الله بالبقاء أو كشف في هذه الصدقة الجارية وجه تأوي، أو سكن فيها إلى مدوامة بقليل، أو طلب من ظالم بعينه مداواة قوله العليل، فسيجد ما يصبح به مثله، ويكون لمن بعده عبرة بمن قدم قبله؛ ونحن نبرأ إلى الله ممن يتعرض بعدنا إلى نقضها؛ وهذه المسامحة عليه حجتنا التي لا يقدر عند الله على دحضها.
ولتقرأ على المنابر وتعل كلمتها، وتمد في أقطار الأرض كما امتد السحاب ترجمتها؛ وسبيل كل واقف عليها من أرباب الأحكام: أصحاب السيوف والأقلام، ومن يتناوب منهم على الدوام، العمل بما رسمنا به واعتماد ما حكم بموجبه، بعد الخط الشريف شرفه الله تعالى أعلاه، إن شاء الله تعالى.
المرتبة الثانية من المسامحات: أن تكتب في قطع العادة مفتتحة برسم بالأمر الشريف:
وغالب ما يكتب ذلك للتجار الخواجكية بالمسامحة بما يلزمهم من المكوس والمقررات السلطانية عن نظير ثمن ما يباع منهم من المماليك.
والعادة أن يكتب في طرتها توقيع شريف بمسامحة فلان بما يجب عليه من الحقوق الديوانية بالديار المصرية والبلاد الشامية بحسب ما يرسم له به.
وهذه نسخة توقيع من ذلك؛ وهي:
رسم بالأمر الشريف- لا زال يتبع السماح بمثله، ويشمل الرعايا كل وقت في ممالكه الشريفة بعد له، ويواصل رفقه ورفده فلا يبرحون في مهاد من نعمه وإسعاد م فضله- أن يسامح المجلس السامي إلى آخر ألقابه أدام الله تعالى رفعته بما يجب عليه من الحقوق الديوانية بالديار المصرية والبلاد الشامية، وسائر الممالك الإسلامية، فيما يبيعه ويبتاعه ويتعوضه من سائر الأصناف خلا الممنوعات: صادراً لا غير أو صادراً ووارداً، بنظير الممالك الذين ابتاعهم برسم الأبواب الشريفة بكذا وكذا ألف درهم.
فليعتمد هذا المرسوم الشريف كل واقف عليه ويعمل بحسبه ومقتضاه، من غير عدول عنه ولا خروج عن حكمه ومعناه؛ والخط الشريف أعلاه الله تعالى أعلاه حجة بمقتضاه، إن شاء الله تعالى.
وهذه نسخة دعاء آخر يفتتح به توقيع مسامحة، وهو: لا زالت نعمه عميمة، وسجاياه كريمة، ومواهبه في الآفاق سائرة وفي الأقطار مقيمة، أن يسامح فلان بكذا وكذا.
آخر: لا زالت صدقاته الشريفة تحقق وسائل طالبها، وأوامره المطاعة نافذة في مشارق الأرض ومغاربها، أن يسامح فلان بكذا وكذا.
قلت: والعادة في مستند ذلك أنه تحضر به قائمة من ديوان الخاص الشريف فيكتب عليها كاتب السر بالتعيين، ويخلدها كاتب الإنشاء عنده شاهداً له بذلك كما في غيره من سائر المستندات.
الضرب الثاني ما يكتب عن نواب السلطنة بالممالك الشامية وغالب ما يكون في مسامحات التجار بمقرر ما يبتاعونه أو بقدر معين يحصل الوقوف عنده، ويعبر عما يكتب فيه بالتواقيع كما في الولايات عندهم، وأكثر ما يفتح برسم بالأمر. وهذه نسخة مرسوم شريف بمسامحة كتب بها عن نائب الشام في الدولة الناصرية فرج لخواجا محمد بن المزلق، وهي: رسم بالأمر العالي- لا زال قصد ذوي الحقوق عنده ناجحاً، وإحسانه للمقرب إليه مسامحاً- ان يسامح الجناب العالي، الصدري، الكبيري، المحترمي، المؤتمني، الأوحديي الأكملي، الرئيسي، العارفي، المقربي، الخواجكي، الشمسي، مجد الإسلام والمسلمين، شرف الأكابر في العالمين، أوحد الأمناء المقربين، صدر الرؤساء، رأس الصدور، عين الأعيان، كبير الخواجكية، سفير الدولة، مؤتمن الملوك والسلاطين: محمد بن المزلق، عين الخواجكية بالمملكة الشريفة المحروسة- أدام الله تعالى نعمته- بما يجب عليه من الحقوق الديوانية بالطرقات المصرية، وجميع البلاد الشامية المحروسة والركاه بدمشق، وحلب، وطرابلس، وحماة، وصفد، وغزة، وحمص، وبعلبك المحروسات، والبروك، والمقطعين، وقطيا، مما يبيعه ويبتاعه ويتعوضه من جميع الأصناف خلا الممنوعات صادراً ووارداً، ويثمن عليه بقيمة ما يشتريه بما مبلغه من الدراهم النقرة الجيدة مائتا ألف درهم، ولا يطالب عن ذلك بحق من الحقوق ولا بمقرر من المقررات، مسامحة باقية مستمرة، دائمة أبداً مستقرة، لا ينتقض حكمها، ولا يغير رسمها، لخدمته الدول على اختلافها، ولمبالغته في التقرب بما يرضي الخواطر الكريمة وينفع الناس بما يحضره من أنواع المتاجر وأصنافها، ولاستحقاقه لهذا الإنعام، ولاختصاصه به دون الخاص والعام.
فليتفق ذلك بالحمد والابتهال؛ والله تعالى يبلغه من مزيد إنعامنا الآمال؛ والاعتماد في معناه، على الخط الكريم أعلاه، إن شاء الله تعالى.